الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة شكري المبخوت : شعوبنا تصفق لمن يعتلي الكرسي!

نشر في  11 ماي 2015  (12:36)

أدلى الدكتور شكري المبخوت الحائز على جائزة البوكر بحوار لشبكة محيط جاء فيه ما يلي:

على هامش ملتقى الرواية سألناه: أين الأمل إذا كان حاملو الشعلة يسقطون؟

وكان رده : للأسف اعتدنا بتونس، وقولي ذلك على العرب ككل، أن نصفق لمن يجلس على الكرسي بصرف النظر من هو، فعلنا ذلك من زمن الاستعمار وحتى الآن .

والأمل برغم الواقع البائس متحقق في الأبطال الباحثين عن الحياة السليبة، هذا الكدح والسعي هو الأمل حتى لو تعثرت الخطى، لأنني أريد أن أقول أن الأبطال المثاليين ليسوا سوى خيالات تؤمن بها الشعوب، لكن الحقيقة أن القادة مجرد بشر، يخطئون ويصيبون، تصيبهم داءات المجتمع الفاسد المتعفن من خيانة وتواطؤ، وينجو بعضهم وقد يصمت لأمد محدد ثم ينطلق.
خذي «عبدالناصر» مثلا فهو نموذج لبعض قادة التيار اليساري، وليس الكل، حتى لا يتهمني أحد بالتعميم، وكذلك لدينا أبوالسعود، رمز اليسار المتطرف الذي خرج من السجن لينتقم بنفسه من اليسار ويتواطأ أكثر مع قبضة الأمن ضد رفاق الماضي، وزينة التي بحثت عن التحرر بغض النظر عن القيمة ، أبطال ممزقون كما نرى بالواقع، اصطدموا بصخرة الواقع وهرستهم الحياة ، ويبقى السؤال الذي حاولت إجابته أدبيا، وليس بالتنظير، لماذا عجز اليسر وحاملو القيم الحداثية الثورية عن أن يهيمنوا على السلطة؟!
وعموما فقد انتهيت بـ«رأس الدرب» في الجزء الأول من «الطلياني» والذي أستعد لإصدار جزئها الثاني ما بعد تولي زين العابدين ولغاية ثورة الياسمين.

ما دلالة اختيار زمن سقوط بورقيبة وصعود بن علي؟

رأيت أنه أكثر أزمنة تونس تشابها مع زمن ثورة الربيع وما سبقه، سنجد نفس الرموز والتيارات ، بل هناك أسماء ظهرت علنا للشارع ، فكانت الرواية صيحة تحذير من كل هؤلاء .

ألا ترى أن نقدك لرموز التيار الديني جاء قاسيا ؟

لم يكن نقدي على العموم، لكن لأولئك المتنطعين والمزيفين الذين ملأوا المنابر بضجيجهم، وهم قمعوا رغبة الشعوب العربية في الحياة، وعطلوا النهضة كثيرا، وكانوا أحد أسباب الصمت على جرائم ترتكب كزنا المحارم وغيرها، تحت دعاوى “العيب وهيبة المجتمع وشرفه”

  لكنك فعلت الشيء نفسه مع كل النخب تقريبا ومن كافة الأيدولوجيات :يسار ، ليبرالية أو يمين !

  الايديولوجيات مقولات عامة مغلقة تفرض عليك أن تتطابق معها  ، سطوة هذه الأيديويولوجيات سجنت الإنسان فكرا وجسدا وجعلته أكثر هشاشة، ولا أعني السياسة فقط وإنما كل نسق مغلق ديني او فكري أو سياسي ، يتصور أصحابه أنهم أصحاب الحقيقة المطلقة ويرفضون من يعارضهم، وسنجد أن من يتشدقون بحرية التعبير وحقوق الإنسان يظهرون بالرواية في محاولاتهم لتصفية رفاق الماضي، تصفية جسدية حقيقية لأنهم صاروا خارج سلطتهم. فأنا أقول بأن الخيانة تأتيك من أبعد من تتصور أن تأتي منهم .

أما بخصوص النخب ، فقد أصبنا بخيبة كبيرة خاصة بنخبتنا السياسية والثقافية، رغم أنهم قاموا بإنجازات بلا شك في صياغة الدستور وصوغ عقد اجتماعي لحفظ حق المرأة التونسية واستطاع المجتمع المدني مع الاتحاد العام للشغل الضغط لتقليم أظافر التيارات التي خدعت الجماهير باسم الدين .  

برأيك ، لماذا كتبت الحياة لثورة الياسمين التونسية ؟

تونس قطعت شوطا من تأسيس دعائم دولة مدنية حداثية، وكان ذلك من أواسط القرن التاسع عشر وإبان الاستعمار الفرنسي، والذي استقلت عنه تونس ولكنه خلف آثارا، وشاركت مختلف الأطياف الثقافية في صياغة هوية تونس، وبرأيي فإن الإسلاميين تبنوا شعارات حداثية مؤخرا ولكنها قيد الاختبار لمعرفة مدى صدقيتها وتمسكهم الحقيقي بالفكر الإصلاحي الوطني .

ما دلالة انتهاء المتنورة التونسية بأحضان رجل من باريس ؟

هو مستشرق غربي رأت انه يمثل التحرر وهذه القيمة التي كانت تنشدها، وأنا لم أدافع عنها بالرواية، فهي لها نسق شخصية يميل للتطرف في هذا التحرر والرغبة في نبذ الماضي وبدا ذلك منذ رحلت عنها أمها فقالت أنها صارت أم نفسها ورفضت الصلة التي تربطها بزوجها العرفي وسافرت للخارج .

لماذا تأخر ظهور أول رواياتك وهل تفضل النقد أم الإبداع ؟

أحيانا نحتاج لأعمار طويلة من التأمل والاحتكاك والممارسة بالحياة كي يكون إبداعنا صادقا معبرا عن المجتمع والواقع . وأنا أيضا مشغول بالنقد وبالعمل الأكاديمي حيث أرأس جامعة منوبة بتونس . وعموما لا أفضل النقد عن العملية الإبداعية، قد منحني أدوات كثيرة للكتابةـ والدليل أن تصل أولى رواياتي لمنزلة طيبة عند القراء والمحكمين، يبقى أن لي تجارب اخرى بالشعر والقصةـ وكلها أجناس تلبي لدي حاجة فكرية وثقافية ، تماما كما النقد والعمل البحثي الأكاديمي، ودائما يكون هناك شوق يحملك لأن تقول ما لا يمكن قوله نقديا ، وأنت حين تكتب تنسى تماما صلاتك بالنقد وتنساب كمبدع .

 بعيدا عن الأدب .. هل تشعر بالقلق من وصول الجماعات المتطرفة لقلب تونس؟

نعيش خطة الذئاب المنفردة التي تقرأ أدبيات التوحش فتضرب بلا هوادة كل منجزاتنا ، ولن نأسف على تراث وحضارة وآثار طالما أن العدو لا يحترم حق الإنسان في الحياة ويمارس القتل البشع بصوره وبدم بارد وزورا ينسب أفعاله لديننا القويم وهو منه بريء . وبالطبع جاءت الأعمال الإرهابية على مقربة من البرلمان التونسي وفي متحف يرتاده السائحون من كل الجنسيات ولكن تلك الأعمال الخسيسة لن تفلح في تحقيق مبتغاها على المدى البعيد .